كبار السن الألمان يعانون الوحدة

 



حتى خلال الطقس البارد تفتح العجوز الألمانية، إيرينا جي، نافذة شقتها في برلين، وتراقب الطائر الذي يعيش معها في غرفة معيشتها. وتقول هذه العجوز البالغة من العمر ‬93 عاماً إن الطائر «هو رفيق سكنها».

وولدت إيرينا بعد وقت قصير من الحرب العالمية الأولى، وتفوقت على جميع أفراد عائلتها بطول العمر وبقيت وحيدة. وكان زوجها الذي توفي قبل فترة طويلة رفض إنجاب الأطفال، الأمر الذي تشعر إيرينا بالندم الشديد لقبولها به. ونادراً ما يرن جرس هاتفها. وكانت قد انهارت في الحمام ذات مرة، ولكنها تمكنت من الزحف الى خارج الحمام وطلب المساعدة هاتفياً.

ويوجد مليونا رجل وامرأة في ألمانيا يزيد سنهم على ‬80 عاماً ويعيشون حياة الوحدة، ومعظمهم انتهى به المطاف الى الحياة وحيداً بعد وفاة شريك العمر. ويقول الخبراء إن الرقم مرشح للزيادة نظراً الى ارتفاع مستوى المعيشة ومعدلات العمر في ألمانيا. وأشارت دراسة قام بها معهد «النسباخ» الى أن المواطنين كبار السن من الألمان هم الأكثر ثراء ورشاقة من أي وقت مضى في التاريخ. ومع ذلك ثمة حقيقة واقعية مفادها أن الاشخاص الذين تزيد أعمارهم على ‬70 عاماً في ألمانيا يمضون وسطياً ‬17 ساعة يومياً في حالة وحدة، وهذه المدة تتفوق على أي شعب اخر.

وبحسب معلومات المركز الألماني للعجز فإن ‬20٪ من الألمان الذين تزيد أعمارهم على ‬70 عاماً، عادة ما يتصلون بشخص واحد فقط، أو يبقون من دون أي اتصال. وربعهم يتلقى زيارة واحدة في الشهر من الأصدقاء والمعارف، ونحو ‬10٪ منهم لا يتلقون أي زيارة من أحد. وبعض هؤلاء كبار السن لم يتبقَّ لهم أحد كي يسأل عن أحوالهم.

وفي حقيقة الأمر، فإن النزعة المتزايدة لدى البعض في ألمانيا في اختيار عدم إنجاب أي أطفال، يهدد بدفع وضع الوحدة الذي يعيشه كبار السن نحو الأسوأ. وتعمل منظمة «أصدقاء كبار السن» في برلين، على التخفيف مما يعانيه كبار السن هؤلاء.

ويقوم مدير المنظمة، كلاوس بولتيكو، وزملاؤه بتنظيم نشاطات مثل زيارة حديقة الحيوانات، ورحلات بوساطة القوارب في المجاري المائية في برلين، اضافة الى تشكيل جماعات تطرح الأحاديث والنقاشات في ما بينها، إلى جانب تأمين زيارات لكبار السن من قبل متطوعين. ويقدمون خدمة يطلقون عليها اسم «الزيارة على الهاتف» ومع ذلك فإن أحداً في ألمانيا لا يتحدث عن خدمات المنظمة كما يقول كلاوس.

وثبت أيضاً أنه إضافة الى أن الوحدة تجعل الأشخاص يشعرون بالأسى فإنها تجعلهم يمرضون أيضاً، ولذلك فإن خبراء من أمثال كلاوس لا يستغربون كون معدل الانتحار لمن هم فوق سن الـ‬80 هو الأعلى. ويقول كلاوس «العديد منهم يرون ان الموت خلاص لهم، وما يزيد الأمر سوءاً أن الأمراض تعزز شعور المرء بالوحدة».

وتدرك الألمانية إيرمغارد بيلكا (‬78عاماً) مدى صعوبة تغلب كبار السن على الوحدة. وكانت فقدت زوجها (هربرت) عام ‬1994 ومن ثم ابنتها (غابي) قبل بضع سنوات، وكلاهما توفي نتيجة سرطان الرئة. وتوقفت بيلكا عن اقامة صداقات خارج المنزل لأنها كانت سعيدة جداً بالحياة التي كانت تتركز حول عائلتها الصغيرة في المنزل.

وتحب بيلكا حالياً القيام بزيارات الى المعارف اكثر من معظم الأشخاص ممن هم في سنها. ويشعر العديد من كبار السن بالحماس لمجرد جمع المعلومات المتعلقة بالزيارات وخدمات التسوق المقدمة في مجتمعاتهم المحلية. وأدركت بلديات مدن عدة، وجمعيات سكنية، انه يتوجب عليهم مد يد العون لسد حاجات المواطنين من كبار السن. وعلى سبيل المثال ففي مدن شمالية مثل بريمن وهامبورغ يقوم عمال من وكالات خاصة بقرع أبواب المواطنين كبار السن الذين يعيشون وحدهم، ويطرحون عليهم السؤال البسيط التالي: هل نستطيع ان نؤدي أية خدمة لكم؟ وصادف عمال الخدمة الاجتماعية في هامبورغ عجوزاً لم تتحدث مع اي شخص غير صاحب البقالة منذ عامين، إضافة الى رجل عجوز يعيش في الظلام منذ شهرين لأنه تجاهل الرسائل التي تذكر ه بدفع فواتير الكهرباء.

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: