كلام في معنى قيمومة الرجال على النساء


قال تعالى:

" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴿34﴾ سورة النساء

كلام في معنى قيمومة الرجال على النساء:

تقوية القرآن الكريم لجانب العقل الإنساني السليم، وترجيحه إياه على الهوى واتباع الشهوات، والخضوع لحكم العواطف والإحساسات الحادة وحضه وترغيبه في اتباعه، وتوصيته في حفظ هذه الوديعة الإلهية عن الضيعة مما لا ستر عليه، ولا حاجة إلى إيراد دليل كتابي يؤدي إليه فقد تضمن القرآن آيات كثيرة متكثرة في الدلالة على ذلك تصريحا وتلويحا وبكل لسان وبيان.

ولم يهمل القرآن مع ذلك أمر العواطف الحسنة الطاهرة، ومهام آثارها الجميلة التي يتربى بها الفرد، ويقوم بها صلب المجتمع كقوله: ﴿أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ الفتح:29، وقوله: ﴿لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ الروم: 21، وقوله: ﴿قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾ الأعراف: 32، لكنه عدلها بالموافقة لحكم العقل فصار اتباع حكم هذه العواطف والميول اتباعا لحكم العقل.

وقد مر في بعض المباحث السابقة أن من حفظ الإسلام لجانب العقل وبنائه أحكامه المشرعة على ذلك أن جميع الأعمال والأحوال والأخلاق التي تبطل استقامة العقل في حكمه وتوجب خبطه في قضائه وتقويمه لشئون المجتمع كشرب الخمر والقمار وأقسام المعاملات الغررية والكذب والبهتان والافتراء والغيبة كل ذلك محرمة في الدين.

والباحث المتأمل يحدس من هذا المقدار أن من الواجب أن يفوض زمام الأمور الكلية والجهات العامة الاجتماعية - التي ينبغي أن تدبرها قوة التعقل ويجتنب فيها من حكومة العواطف والميول النفسانية كجهات الحكومة والقضاء والحرب - إلى من يمتاز بمزيد العقل ويضعف فيه حكم العواطف، وهو قبيل الرجال دون النساء.

وهو كذلك، قال الله تعالى: ﴿الرجال قوامون على النساء﴾ والسنة النبوية التي هي ترجمان البيانات القرآنية بينت ذلك كذلك، وسيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) جرت على ذلك أيام حياته فلم يول امرأة على قوم ولا أعطى امرأة منصب القضاء ولا دعاهن إلى غزاة بمعنى دعوتهن إلى أن يقاتلن.

وأما غيرها من الجهات كجهات التعليم والتعلم والمكاسب والتمريض والعلاج وغيرها مما لا ينافي نجاح العمل فيها مداخلة العواطف فلم تمنعهن السنة ذلك، والسيرة النبوية تمضي كثيرا منها، والكتاب أيضا لا يخلو من دلالة على إجازة ذلك في حقهن فإن ذلك لازم ما أعطين من حرية الإرادة والعمل في كثير من شئون الحياة إذ لا معنى لإخراجهن من تحت ولاية الرجال، وجعل الملك لهن بحيالهن ثم النهي عن قيامهن بإصلاح ما ملكته أيديهن بأي نحو من الإصلاح، وكذا لا معنى لجعل حق الدعوى أو الشهادة لهن ثم المنع عن حضورهن عند الوالي أو القاضي وهكذا.

اللهم إلا فيما يزاحم حق الزوج فإن له عليها قيمومة الطاعة في الحضور، والحفظ في الغيبة، ولا يمضي لها من شئونها الجائزة ما يزاحم ذلك.

من بحوث كتاب ( الميزان في تفسير القرآن ) للعلامة الطباطبائي


 

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: