الغيرة وسوء الظن

 


الغيرة وسوء الظن


  إن من روافد المشاكل بين الزوجين : الغيرة التي لا مبرر لهـا من جانب الزوج أو الزوجة ، وسوء الظن الذي لا موجب له ، سوى استيلاء الوهم الذي لا يغني عن الحق شيئاً ، والمهم أولا وآخراً في هذا المجال : هو تحكيم الشرع فيما أجاز وحرّم ، وإن كان بخلاف ميل أحدهما أو كليهما .. فإن زمام التحريم والتحليل إنما هو بيد صاحب هذا الوجود ، وهل هناك من يملك القدرة في منازعة الحق في سلطانه وأحكامه ؟! .

تلعب الغيرة دوراً كبيراً في حياة الأشخاص المتزوجين وخصوصاً إذا كانت هذه الغيرة زائدة عن الحد المسموح به مما تتسبب في مشاكل كثيرة للزوجين، وبالتالي إنهاء العلاقة الزوجية أي الطلاق، ويتبادر إلى ذهننا أسئلة حول التعريف العلمي للغيرة وهل تصل هذه الغيرة إلى حد تصبح فيه مرضاً يتوجب علاجه من قبل الأخصائيين النفسيين أم أنها ضمن الحدود الطبيعية للنفس البشرية، هذا ما سنتعرف عليه من خلال الأسئلة التالية:

السؤال الأول:

ماهي الحدود الطبيعية للغيرة في النفس البشرية ؟

وماهي حدود اختلافها من شخص إلى آخر ؟ قبل الإجابة على هذه التساؤلات أود أن أذكر أنه ليس من السهل تعريف ماهو الطبيعي في السلوك والتفكير البشري (قارن كتابات فالين) Vaillant. والمقبول الآن في علم النفس والسلوكيات هو غياب المستوى المرضي، وإذا تصورنا أن المجال الطبيعي (Normality) للسلوك والتفكير البشري وضع مقابل مسطرة، لوجدنا أنه المجال الأوسع في الوسط كله الذي يقبل على أنه سلوك ضمن الطبيعي، ولكن يبقى مجالان ضيقان جداً في طرفي المسطرة هما الحالة المرضية. حيث يمكن القول أن الحالة المرضية هنا يتم التعرف عليها من قبل الطبيب (أو المراقبة لسلوك الإنسان وتفكيره)، فقط عندما تؤثر سلباً على حياة الإنسان الاجتماعية والمهنية. هنا يتوجب أن نطبق هذا الفهم العام المبسط لما هو طبيعي حتى نفهم مجال أو الحدود الطبيعية للغيرة. والمعنى المراد توضيحه هنا أن المجال واسع جداً، ويختلف من شخص إلى آخر بمراحل كبيرة، وكل هذا الاختلاف مقبول ما دام لا يؤثر سلباً على الحياة الزوجية. ولا يعتبر (على الأقل من وجهة نظر الطب النفسي) الزيادة أو النقص في الغيرة مرضاً إلا عندما تؤثر سلباً على تلك العلاقة الزوجية.

غني عن القول أن الدماغ البشري (وهو المنتج لعملية التفكير، الوعي والسلوك البشري) يتفاعل في ثقافة وبيئة الإنسان ومن حوله من أشخاص، وبهذا ينتج التفاوت في محاور صلبة ومسطرية لما تستوجبه الغيرة وما لا تستوجبه. فالرجل الذي لا يسمح لزوجته أن تظهر بلبس البحر هو غيور بدرجة مرضية في الدول الاسكندنافية مثلاً، بل ويتجلى التفاوت في ذات المجتمع والقطر، وما عليكم إلا التفكير بأمثلة من مجتمعنا حتى تكتمل الصورة.

السؤال الثاني :

هل هناك أنواع للغيرة وماهي أشكالها المرضية ؟ ننتقل هنا إلى وصف الأمراض التي تكون نتيجتها الغيرة المرضية وهي:

- مرض الوهم:

وكثيراً ما يكون الوهم متعلقاً بالغيرة الزوجية. وهذا المرض يصيب الجنسين بنسبة متقاربة تقدر بخمسة لكل ألف نسمة. وفيها يعتقد أحد الأطراف أي (الزوج، أو الزوجة) تخون. ولا يمكن زحزحة هذا الاعتقاد بالإقناع والنصح، بل لابد من العلاج بمضادات الذهان... هؤلاء المرضى في الغالب لا يأتون بأنفسهم للعيادة بل يحضرهم ذووهم بصعوبة بعد أن فشلت علاقة أو علاقتا زواج بسبب هذا الوهم.

- وهم الغيرة كجزء من مرض ذهني :

كثير من الأمراض الذهانية (كالفصام) يصاحبها وهم أو أوهام متعددة، وقد يكون من بينها وهم الغيرة. ورغم أن الأمراض الذهانية (مثل الفصام) أكثر انتشاراً من مرض الوهم «Delusional Disorder» إلا أن تشخيصها أكثر سهولة لوجود أعراض أخرى دالة على المرض مثل التخيلات، ووجود أوهام أخرى مصاحبة كوهم العظمة أو غيره.

- الشخصية الشكاكة :

وكما هو اسم المرض فهو مرض شك وليس الوهم... وهنا تكون حدة شك الغيرة أقل من درجة الوهم. وهذا النوع من الشخصية تمثل ما يقارب من 2ظھ حسب الدراسات الغربية (لا توجد دراسة محلية) وهو أكثر في الرجال. والغيرة الزوجية في هذا النوع من الشخصيات ليس إلا جزءاً من شكوك واسعة بالناس من حوله (الأهل، الزملاء الخ....). وعموماً يصعب علاج مثل هذا النوع من انحراف الشخصية. .

- الغيرة المصطنعة :

وهي غيرة كاذبة... يتم ممارسة هذه الغيرة كثيراً على أنها واجب اجتماعي وخصوصاً في مجتمعنا، فالزوج لا يسمح لزوجته أن تلبس ملابس قصيرة ومكشوفة في الخارج، ويعطيها مجالا وحرية أكثر عند العودة إلى البيت.

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: