زينب جبل الصبر


 

السيدة زينب (ع)

فكما أن الإمام الحسين (عليه السلام) يبقى رمز كل الرجال الذين شاركوا في واقعة كربلاء، وملحمة الشهادة والفداء والبذل والتضحية والمعاناة، كذلك تبقى الحوراء زينب (عليه السلام) عقيلة بني هاشم تمثل الرمز في هذه الحركة بالنسبة إلى النساء، وكان لها دور عظيم في كربلاء والكوفة والشام ، وكان لها دور بارز في جميع المواطن في واقعة ألطف فكانت تشفي العليل وتراقب أحوال أخيها الحسين عليه السلام ساعة فساعة وتخاطبه وتسأله عند كل حادثه وهي التي كانت تدبر أمر العيال والأطفال وتقوم في ذلك مقام الرجال .

وهي الذي صبرت الحسين عليه السلام على مصائبه خصوصا مصيبة ولده علي الأكبر بعد سقوط على الأكبر من على ظهر جواده نادا :عليك مني السلام يا أبتاه يا أبا عبد الله فذهب له الحسين وهو ينادي: واولداه واعليا وذهب عنده وأخذ بالبكاء حتى أنه كان سيفارق الحياة على جسد ولده علي الأكبر فأتى له العباس وحاول أن يرده إلى الخيام فلم يستطع فخشي عليه من الموت فذهب للسيدة زينب فأخبرها فخرجت السيدة زينب متجه إلى ساحة المعركة وهي تنادي: واولداه وابن أخاه واعلياه فعندما رآها الحسين عليه السلام قام من على مصرع ولده وذهب إليها وأرجعها للخيام.

وعندما سقط الإمام الحسين ذهبت إلى مصرعه وهي تنادي: وأخاه واحسيناه فعندما وصلت إلى مصرعه قالت لابن سعد: يا ابن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه فصرف بوجهه عنها ودموعه تجري فقالت :ويحكم أما فيكم من مسلم فأخذت تخاطب الحسين وإذا بسوط يأتي على ظهرها وإذا هو شمر ابن ذي الجوشن لعنة الله عليها يقول لها: ابتعدي عنه وإلا قتلتك معه فأبت أن تتركه فقال لها الحسين عليه السلام: أخيه زينب ارجعي إلى الخيام وإحفظي العيال والأطفال فرجعت إلى الخيام وحفظت العيال وبعد أن أحرقوا الخيام ذهبت الي التل الزينبي وقالت: يا أخاه يا حسين إن كنت حيا فأدركنا وإن كنت ميتا فأمرنا وأمرك إلى الله فقام الحسين ومشى 3 خطوات يسقط بين كل خطوه فلم يستطع القيام فقال: يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم وأرجعوا لأحسابكم إن كنتم عربا كما تدعون فقال له الشمر لعنة الله عليه : ما تريد يبن فاطمة قال الحسين عليه السلام : أنا أقاتلكم وأنتم تقاتلونني والنساء لا جناح عليهم فقال شمر لعنة الله عليه : دعوه نسائه واجتمعوا عليه فإنه كفؤ كريم . فجمعت زينب العيال والأطفال ووقفت في وجه الأعداء وفي وجه شمر بن ذي الجوشن لعنة الله عليه وعندما كان يحاول قتل العليل وقفت في وجه وقال: ابتعدي وإلا قتلتك ورفع السيف في وجهها فقالت: هيا افعلها ليعلم الناس أن يزيد قد جند الجند وجيش الجيوش لقتل إمرأه ذنبها أنها حفيدة محمد وهذا قليل من ما قامت به بطلت كربلاء العقيلة زينب عليها السلام.

ومما لاشك فيه ان الدور الذي اضطلعت به الحوراء زينب (ع) منذ تحرك ركب الإمام الحسين من المدينة إلى يوم واقعة ألطف، اي بعد ان قضى الحسين وأهل بيته واصحابة نحبهم قد تحول من مجرد ربة بيت (لو جاز التعبير) اي محافظة على تماسك الجبهة الداخلية وتحديداً لزمرة الحريم بحيث لا تؤثر عواطفهن على الموقف المبدئي بشكل سلبي، خاصة اذا ما علمنا ان عدد النساء في معسكر الحسين لا يستهان به، لكن ما ان أغمض الحسين (ع) جفنه حتى تحول دورها (ع) الى قائداً للثورة، نعم هي لم تحمل السلاح ولم تقاتل، ولكنها أخرجت لسانها من غمده فكان أمضى من كل سلاح، وكيف لا وهي ربيبة أمير البلاغة الإمام علي (ع)، فقد خطبت بأهل الكوفة وأهل الشام لتكشف لهم الحقيقة التي غيبها الإعلام الأموي، ثم لتقف أمام الطاغية يزيد وهي تخاطبه بكل شجاعة (وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء..) لتذكر الناس بأفعال بني أمية الجاهلية اللااخلاقية ، ثم تهدده بسوء العاقبة (وحسبك بالله حاكماً وبمحمد (ص) خصيماً وبجبرائيل ظهيراً.. بأس للظالمين بدلاً) وتختتم كلامها برباطة جأش لتصف ما جرى كما تراه بنظرتها الإيمانية، لا بمقاييس أهل الدنيا (فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا.. الحمد لله رب العالمين الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة).

ويستسلم هذا الطاغية مشدوهاً أمام القدرة الربانية التي تحملها هذه القديسة الطاهرة، بل ويقام رغماً عنه وفي شامه وفي قصره مجلس عزاء الإمام الحسين (ع)، ولم يقتصر دورها (ع) على الجانب الإعلامي بل هي من فدت بروحها حجة الله وبقية عتره رسول الله (ص)، وذلك عندما خطب الإمام زين العابدين (ع) في مجلس بن زياد إذ أمر اللعين جلاوزته بقتل الإمام (ع) فتعلقت به عمته زينب (ع) وصاحت وأسمعت الملأ (يا بن زياد حسبك من دمائنا، والله لا أفارقه، فان قتلته فاقتلني معه) واحدث هذا النداء ضجة في المجلس مما أدى بابن زياد ان يحجم عن هذا الفعل.

وكان الحضور مجدداً لمشهد التحدي من فارسة الطف زينب بنت علي عليهما السلام حين تمادى عبيد الله بن زياد في تعسّفه لما رجع من معسكره بالنخيلة فدخل قصر الإمارة ليضع رأس الحسين عليه السلام الشريف بين يديه ولينكث بالقضيب ثناياه ساعة، وقد انحازت السيدة زينب عليها السلام عن ذلك الموقف وهي متنكرة عن النساء لتوجه خطابها المهين لابن زياد وقد عرفها فقال متشمتاً، وقد أخذته العزة بالإثم: "الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم"!، وزاد ابن زياد من الكيد والشماتة في قوله للسيدة زينب عليها السلام: "كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟.

فأجابته السيدة زينب عليها السلام جواباً استحضر فيه الشاهد التاريخي مسيرة الإبلاغ الرسالي وعنوانه الأكبر في الشهادة وحضوره في الكل الإيماني الذي لا يتزلزل ولا يتحول: "ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله لهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ".

وتبلغ الشجاعة بالسيدة زينب عليها السلام في خطابها للقائل المتغطرس وهو في نشوة زهوه بالانتقام لتسمعه كلاماً لا يجرؤ غيرها عليه لتنقص من قدره بنسبته إلى أمه دون أبيه، وبتقريع المستخف بشأنه: "ثكلتك أمك يا ابن مرجانة"، ويغضب ابن زياد من كلام سيدة الطف في ذلك المحتشد وقد همّ بالفتك بها، فكان ثمة من يردعه عن ذلك من خاصته معبراً في ذلك عن موقف سلبي كان ولا يزال البعض من الناس لا يقدر فيه للمرأة منزلتها، وبأي مستوى تكون ما قد قاله عمرو بن حريص: إنها امرأة وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها، ولا تلام على خطأ"!.

وبمثل تلك الشجاعة التي قابلت بها السيدة زينب عليها السلام الطاغية كان التصريح لعلي بن الحسين عليهما السلام حين نازعت ابن زياد الشماتة بقتل جده الإمام علي بن أبي طالب، وأخيه الأكبر علي (عليهما السلام) فكان رده مسنداً إلى قرار الله وحكمه: "اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا".

وقد كبر على ابن زياد أن يرد عليه بمثل ذلك فأمر بضرب عنقه، فكانت الوقفة البطولية والشجاعة الفريدة للسيدة زينب عليها السلام قد أنقذته من القتل أنها قد بادرت إلى اعتناقه، قائلة لابن زياد:"حسبك يا ابن زياد من دمائنا ما سفكت، وهل أبقيت أحداً غير هذا؟، فإن أردت قتله فاقتلني معه" فكف عن ذلك فيما لم يكف علي بن الحسين عليه السلام عن تحدٍّ غريب ومثير لابن زياد وقف عنده ذلك الرجل بكل غطرسته وصلفه صاغراً أمام عظم ذلك المشهد من التحدي في موضع لا يصح فيه مثل ذلك لمن سواه.

ويكون الموقف الأكثر جرأة وإقداماً للمرأة في غمار الفاجعة ما قد حصل في حضور الرأس الشريف للأمام الحسين عليه السلام عند يزيد ابن معاوية وقد وضعه أمامه في طست من ذهب وكانت السبايا من النساء خلفه، وقد أذن للنساء أن يدخلوا في وقت أخذ فيه القضيب لينكث به ثغر الحسين عليه السلام ويقول متشفياً بنعرة من نعرات الجاهلية وقد سمعته السيدة زينب وهو يتمثل في ذلك بقول ابن الزبعرى:

ليت اشياخي ببدر شهدوا

لأهلوا واستهلوا طربا

قد قتلنا القوم من ساداتهم

لعبت هاشم بالملك فلا

لست من خندف إن لم انتقم

جزع الخزرج من وقع الأسل

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

وعدلناه ببدر فاعتدل

خبر جاء ولا وحي نزل

من بني أحمد ما كان فعل

فانتفضت السيدة زينب عليها السلام في مجلسه مشيرة إلى وجه المأساة الدامية وفظائع الفتك التي جرت عليهم في الطف مخاطبة يزيد بذات اللهجة المتحدية ما كانت قد خاطبت بها واليه عبيد الله بن زياد، وبالنبرة القوية المفعمة بروح التحدي لكبريائه وغطرسته، وبالعبارة المهينة "يا ابن الطلقاء"، وهي كناية عمن دخل في الإسلام كرها، مزدرية فيه هتافه بأشياخه في الجاهلية، داعية عليه بالويل والثبور: "اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا".

ثم خاطبته بما لم يجرؤ أحد غيرها عليه، وبتلك اللهجة المتحدية لكيده، والمقللة من شأنه مذكرة إياه بما يكون من مصير الطغاة: "فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين".

وتبلغ السيدة زينب في شجاعتها إلى الغاية في استصغار شأن يزيد والاستهانة بتقريعه وتوبيخه، ومن ثم إنذاره بسخط الله ورسوله وملائكته عليه، جراء ما اجترح من الجناية بحقهم ما لم يبلغنا عن امرأة أنها قد نطقت أمام حاكم جائر مستبد بمثل ما قد نطقت به تلك المرأة المفجوعة بأهلها وذويها وبعبارات ملؤها التحدي وكبرياء الموقف، وفي تحذير صريح بالمصير المحتوم للظالمين: "ولئن جرت عليَّ الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى"، "ولئن اتخذتنا مغنماً، لتجدنّ وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما ربك بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى وعليه المعول".

وقد أحدثت خطبة السيدة زينب عليها السلام تلك دوياً واسع المدى في أرجاء دمشق، تلافاها الحاكم الأموي بمحاولة إلقاء تبعة الجريمة التي ارتكبت في الطف على عاتق واليه ابن زياد، وعمل على إخراج الإمام السجاد عليه السلام والعيال عن الشام إلى موطنهم وتمكينهم مما يريدون، وقد أمر النعمان بن بشير وجماعة معه بأن يسيروا معهم إلى موطنهم في المدينة، وقد بادر زين العابدين عليه السلام لما عرف الموافقة من يزيد إلى طلب رؤوس الشهداء كلها ليمضي بها إلى كربلاء ليلحقها بالأبدان وقد استقبلت موكب الشهادة في كربلاء جماعة من بني هاشم ورجال من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام، وقد أقاموا النواح على الحسين عليه السلام ثلاثة أيام.

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: