سكينة بنت الإمام الحسين (ع)

 


سكينة بنت الإمام الحسين (ع)

لم يتح لسكينة بنت الحسين (عليهما السّلام) ما أتيح لآل الحسين من الظهور على ساحة أحداث كربلاء ؛ لتلهب الأجواء بالخطب والبيانات، فإنّ مهمة ذلك موكول إلى الكبار من أهل هذا البيت الطاهر، فمع وجود أخيها الإمام، وعمّتها العقيلة، وأُمّ كلثوم، وأختها فاطمة فإنّ سكينة كانت في عداد الهاشميات الصغيرات، والمخدّرات اللواتي لم يتحمّلنَ مهمّة التبليغ بعد، ولم تظهر إلاّ بعد أن حطّ الآل ركبهم في المدينة، وأخذت تستذكر فيما بعد أحداث الفاجعة، لتروي لنا نتفاً ممّا علقت بها ذاكرتها من محن وأحداث.

وإذا كانت سكينة بنت الحسين (عليهما السّلام) لم تُسلّط عليها أضواء أحداث الفاجعة، يتعامل معها وجدان الأُمّة كأحد مظلومي هذا البيت الطاهر، ولم تستطع الأُمّة أن تستعرض السيّدة سكينة في ركب المظلومين من آل الحسين (عليهم السّلام)، الذين شاهدوا مصارع ذويهم الأبرار، لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء، وشاهدت ما جرى على أبيها واخوتها وعمومتها وبقية بني هاشم وأنصارهم، وشاركت النساء مصائب السبي، والسير من كربلاء إلى الكوفة ثم الشام فالمدينة.

وعندما ذُبح أخوها عبد الله الرضيع اُذهلت سكينة، حتى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين عليه السلام، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي، وقد ظلّت في مكانها باكية، فلحظ سيّد الشهداء عليه السلام ابنته وهي بهذا الحال، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها وهو يقول:

سيطول بعدي يا سكينة فـأعلمي * مـنك البكاء إذا الحِمـام دهاني

لا تحـرقي قلبـي بدمعكِ حسرةً * مـا دام منّي الروح في جثماني

فإذا قتلتُ فأنـتِ أولـى بـالذي * تـأتينه يـا خيـرة النســوان

وبعد مصرع الحسين عليه السلام ومجىء جواده إلى الخيام عارياً وسرجه خالياً، خرجت سكينة فنادت: واقتيلاه، واأبتاه، واحسناه، واحسيناه، واغربتاه، وابعد سفراه، واكربتاه، فلمّا سمع باقي الحرم خرجن فنظرن الفرس، فجعلْن يلطمن الخدود، ويقلْن: وامحمداه، وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين عليه السلام مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه وتبثه ما اختلج في صدرها.


سكينة بنت الحسين

كانت السيدة سكينة سيدة نساء عصرها وأوقرهن ذكاء وعقلا وادبا وعفة، وكانت تزيّن مجالس نساء أهل المدينة بعلمها وأدبها وتقواها، وكانمنزلها بمثابة ندوة لتعلم العلم والفقه والحديث. ولدت الرباب: سكينة وعبد الله. فأما عبد الله فقد قتل رضيعاً في حجر ابيه يوم عاشوراء وذلك لما قتل اهل بيته وصحبه وبقي وحده.


وأما سكينة فقد روى الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم) أن اسمها آمنة وقيل أمينة وانما امها الرباب لقبتها بسكينة كما ذكر ابنخلكان في ترجمتها ذلك في وفيات الاعيان وكذا في شذرات الذهب في جص154 ونور الابصار ص157 ويظهر ان امها انما أعطتها هذااللقب لسكونها وهدوئهاوعلى ذلك فالمناسب فتح السين المهملة وكسر الكاف التي بعدها، لا كما يجري على الالسن من ضم السين وفتحالكاف.
والمحكي عن شرح أسماء رجال المشكاة أنه مصغر بضم السين وفتح الكافومثله القاموسقال البحاثة السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه(سكينة بنت الحسين):
ولم يتضح لنا سنة ولادتها ولا مقدار عمرها كماصح لنا ولادتها بالمدينة ووفاتها فيها كما في تهذيب الاسماء للنووي جص263، ومعارفابن قتيبة وتذكرة الخواص وابن خلكان بترجمتها.
قال السيد الامين في (الاعيان) عن ابن خلكان: توفيت السيدة سكينة بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الاول سنة 117 هـسنة سبع عشرة ومائة بعد الهجرة.
وقال: كانت سيدة نساء عصرها ومن اجمل النساء، وعمرها على ما قيل خمس وسبعون سنة، فعلى هذا كان لها بالطف تسعة عشر سنة. 
وقال سبط ابن الجوزي ماتت فاطمة بنت الحسين واختها سكينة في سنة واحدة وهي سنة مائة وسبعة عشرة بعد الهجرة.
روى الصبان في اسعاف الراغبين ان الحسن المثنى بن الحسن بن امير المؤمنين (ع) أتى عمه الحسين يخطب احدى ابنتيه: فاطمة وسكينةفقال له أبو عبد الله: اختار لك فاطمة فهي اكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله (ص)، أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار، وفيالجمال تشبه الحور العين.
واما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله فلا تصلح لرجل، أقول هذه شهادة من الامام أبي عبد الله في تقوى هذه، السيدة المصونة وأنهامنقطعة الى الطاعة والعبادة فكأنها لا تأنس بغيرها وهذا مما زاد في محلها من قلب أبيها الحسين امام عصره حتى استحقت أن يضعهاالمعصوم بخيرة النساء وذلك لما ودع الامام عيالاته يوم عاشوراء أجلس سكينة وهو يمسح على رأسها ويقول:

لاتحرقي قلبي بدمعك حسرة *** ما دام مني الروح في جثماني
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي *** تأتينه يا خيرة النسوان

أيليق بهذه المصونة الجليلة والحرة النبيلة أن تجالس الشعراء وينشدونها الأشعار كما روى ذلك ابو الفرج المرواني في الأغاني وروايته عنآل الزبير وعداوة آل الزبير لآل النبي مشهورة مذكورة. سكينة بنت الحسين التي نشأت في حضن الرسالة ودرجت في حجر الامامة بنت الحسين سيد أهل الإباء، وعاشت بجنب عمتها وسيدتهاالعظيمة الحوراء زينب بنت امير المؤمنين (ع) وبجوار اخيها السجاد زين العابدين، تحوطها هالة من أنوار الميامين الأبرار ومن سادات بنيهاشم الكرام، ان من يتربى ويترعرع في مدرسة الرسالة المحمدية ويتفقه بفقه القرآن ويتأدب بالأدب العلوي العالي ويتهذب بالتربيةالحسينية الرفيعة مثل السيدة سكينة لا يمكن أن ترضى لنفسها أو تسمح لصواحبها وأترابها من نسوة المدينة من أهل الشرف بالاجتماع معالرجال الاجانب مهما كانوا وهي من بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
أيصح أن تقوم خيرة النساء في عصرها - كما يقول سيد الشهداء - وهي ترى أخاها السجاد عليه‌السلام يغمى عليه بين حين وآخر ويعقدالمجالس للنياحة على أبيه الشهيد والثواكل من نساء بني هاشم يندبن قتلاهن ثم تعقد هي مجلس السمر مع الشعراء.
كتب العلامة السيد عبد الرزاق المقرم ودافع عن كرامة بنت الحسين وأعقبه المحقق الاستاذ توفيق الفكيكي فأجاد وأفاد واستهل كتابه بهذاالبيت - وهو للسيد الشريف الرضي:

وقد نقلوا عني الذي لم أفة به *** وما آفه الاخبار الا رواتها

وجاء بقصيدة عمر بن أبي ربيعة التي قالها سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف واولها:

قالت سكينةُ والدموع ذوارف*** تجري على الخدين والجلباب

وذكر عدة مصادر منها ما حققه المحقق العلامة الشنقيطي في شرح أمالي الزجاج كما أوردها صاحب الاغاني ايضاً: قالت سعيدة والدموعذوارف، واستدل بمصادر عديدة منها الحصري في (زهر الآداب) كما انها في ديوان عمر بن أبي ربيعة هكذا: قالت سعيدة والدموع ذوارف.
وان لعمر بن أبي ربيعة شعراً كثيراً في (سعدى) يورده صاحب الاغاني، ثم روى ايضاً عن حماد بن اسحاق الموصلي ومعجم الادباء وشارحديوان عمر بن أبي ربيعة وكلها تؤيد ما يقول وتصرح بأن هذا الشعر ليس في سكينة، وان هذه الرواية المدسوسة التي يرويها القالي عناستاذه الزجاج وهذا عن شيخه المبرد رواها عن القصاصين والمغنين الذين عاشوا على موائد البلاط الأموي.
قال: وهناك أهم من هذا كله - وهو العنصر السياسي فانه كان العامل المهم في هذا التغيير خاصة اذا ما علمنا ان الشيخ القالي امويالفكرة وان جده سلمان كان مولى الى عبد الملك بن مروان، وقد عاش بقية حياته في كنف الخليفة الاموي عبد الرحمن الناصر وابنه الحكمفي الاندلس، وكان من مقتضى السياسة الاموية في الشرق والغرب ومن مصلحتها أن تذيع هذه القصيدة وامثالها على لسان المغنينوالمغنيات والقصاصين باسم (سكينة) بنت الحسين، ومما يؤيد ذلك استنكار الرشيد وغضبه على اسحاق الموصلي عندما غنى بين يديه بماحفظه عن المغنين: قالت سكينة والدموع ذوارف، وقوله: الا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من رأسك انتهى1.

ويأتي سؤال هل تزوجت سكينة بن الحسين؟ وبمن تزوجت؟ نقول أن علماء النسب والتاريخ يذكرون ان سكينة تزوجت بعبد الله الاكبر بنالإمام الحسن السبط وهو أخو القاسم، وامهما رملةاستشهد يوم الطف قبل القاسم، ومن هؤلاء الأعلام النسابة ابو الحسن العمري فيالقرن السادس في كتابه (المجدي) وابو علي الطبرسي صاحب مجمعالبيان في اعلام الورى ص 127 عند ذكر اولاد الحسن، والشيخ محمدالصبان في اسعاف الراغبين على هامش نور الابصار ص 202، وروى الشيخ عباس القمي في سفينة البحار عن اعلام الورى في ذكراولاد الحسين بن علي (ع): وكان عبد الله بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبنى بها.

بعض ما جاء في فضلها

روى ابن الفرج ان سكينة بنت الحسين (ع) كانت في مأتم فيه بنت لعثمان فقالت بنت عثمان: أنا بنت الشهيد، فسكتت سكينة فقال المؤذن:أشهد أن محمداً رسول اللهقالت سكينة هذا أبي او أبوك، فقالت العثمانية: لا أفخر عليكم أبداً.
وروى سبط ابن الجوزي عن سفيان الثوري قال: أراد علي بن الحسين الخروج الى الحج او العمرة فاتخذت له اخته سكينة بنت الحسينسفرة طعام أنفقت عليها الف درهم وأرسلت بها اليه، فلما كان بظهر الحرّة أمر بها ففرقت في الفقراء والمساكين.
وفي تاريخ ابن خلكان: ان سكينة سيدة نساء عصرها.

وقال مؤرخ دمشق شمس الدين محمد بن طولون في كتابه (الأئمة الاثنا عشر) قدمت سكينة دمشق مع اهلها ثم خرجت الى المدينةوكانتمن سادات النساء واهل الجود والفضل رضي الله عنها وعن ابيها.2.

-------------------------------------------------------------------1. كتب القانوني البارع الأستاذ توفيق الفكيكي كتابا عن حياة السيدة سكينة بنت الحسين (ع) وكان هذا الكتاب الحلقةالخامسة من سلسلة حديث الشهر التي اصدرها العلامة البارع الشيخ عبد الله السبيتي.

2. المصدر:  کتاب ادب الطف

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: