المرأة في فكر الإمام الخميني رضوان الله عليه (2)

 



2ـ نشاطها في إطار العائلة

"القرآن الكريم يربي الإنسان، والمرأة أيضاً تربي الإنسان"9. 

يا لها من عبارة تختصر كل شيء، وتبين خطورة دور المرأة وأهميته في المجتمع فهي المدرسة التي تخرج إنسان هذا المجتمع ليأخذ لونها ويسير بإلهام منها، وكما يقول الشاعر:

لا عذب الله أمي إنها شربت         حب الوصي وغذتنيه باللبن 

بل نجد الإمام عندما يقارن بين دور المرأة ودور الرجل في المجتمع يصرح أن دور المرأة أهم وأخطر، حيث يقول قدس سره: "إن دور المرأة في المجتمع أهم من دور الرجل، لأن النساء والسيدات ـ علاوة على كونهن شريحة فعالة على كل الأصعدة ـ فإنهن يتصدين لتربية الشرائح الفعالة الأخرى أيضاً"10.

وبسبب خطورة هذا الدور وأهميته نجد الإسلام قد خصها بالثواب الجزيل مقابل ذلك، يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن ليلة واحدة من سهر الأم لطفلها، تعادل سنين من عمر أب ملتزم، إن الرأفة والرحمة التي تحملها نظرات الأم النورانية ما هي إلا تجلِ لرأفة ورحمة رب العالمين"11.

ويكفي الأم شرفاً ما ورد في الحديث الشريف: "الجنة تحت أقدام الأمهات"12.

إن الأمومة لها احترامها الخاص ولها أهميتها الخاصة عند الله سبحانه وتعالى، فلماذا كان هذا الاهتمام يا ترى؟

أهمية التربية 

التربية تشكل المخزون الثقافي والنفسي والسلوكي الذي سيلقي بظلاله على الإنسان طيلة مسيرة حياته، وكما يقال "من شب على شيء شاب عليه".

وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيء إلا قبلته".

وإلى هذه الحقيقة يشير الإمام الخميني قدس سره بقوله: "وإن معظم المفاسد ناتجة عن هذه العقد التي تنشأ عند الأطفال"13.

ويقول قدس سره: "إن طفلاً صالحاً يتربى في أحضانكن من الممكن أن يسعد شعباً كاملاً"14. 

نعم هذا هو سبب أهمية دور الأم. إنها هي التي تخرج أفراد المجتمع الصالحين الذين يمكن أن يسعد الواحد منهم شعباً كاملاً.

وبقدر أهمية هذا الدور هو خطير أيضاً، وينبه الإمام قدس سره على ذلك: "أما لو كانت تربية سيئة فقد يفسد مجتمعاً لا سمح الله ,لا تتصوروا أنه طفل، فقد ينزل هذا الطفل إلى المجتمع ويمثل موقعاً على رأس المجتمع ثم يسوقه إلى الفساد"15.

وهذا الدور المهم والخطير هو شرف كبير للمرأة. "إنكن أيتها النساء تحظين بشرف الأمومة... وأنكن بهذا الشرف مقدمات على الرجال... إن أول مدرسة يتعلم فيها الطفل هي حضن الأم، الأم الصالحة تربي طفلاً صالحاً. وإذا كانت الأم منحرفة ـ لا سمح الله ـ سوف ينشأ الطفل منحرفاً في أحضان هذه الأم، لأن العلاقة التي تربط الأطفال بالأم دونها أي علاقة أخرى، وما داموا في أحضان الأم، فإن كل ما يفكرون به وكل ما يتطلعون إليه يتلخص في الأم، وينظرون إليه من خلالها. إن كلام الأم وخْلقها وأفعالها تترك تأثيرها في الأطفال.. فسوف ينشأ هذا الطفل على تلك الأخلاق والأفعال بوحي من تقليده لأمه التي هي أسمى من يقلد"16.

الأولوية لدور التربية: 

هذا الدور المهم مقدم ـ إجمالاً ـ على الأدوار الأخرى، ويجب أن لا تؤثر أدوارها الأخرى التي يمكن أن تقوم به على دورها هذا، لذلك  نجد الإمام يعترض على انشغال المرأة بشكل يمنعها من أداء هذا الدور الأساسي. يقول قدس سره: "أنتن أيتها النساء اللاتي شاركتن في هذه النهضة وحفظكن الله، مدعوات للتقدم بهذه النهضة، وإن مسؤوليتكن المهمة هي تربية أبناء صالحين... لقد أرادوا لهذه النسوة أن يبتعدون عن أطفالهن... فبعض من يدعو النساء للعمل في الدوائر لا يهدف تطوير العمل، بل يعمل ذلك من أجل إفساد الدوائر، ويسعى على إبعاد الأطفال عن أحضان أمهاتهن فسوف ينشأون معقدين،.... حافظن على أطفالكن جيداً... ربين أطفالكن تربية صالحة"17.

فعلى المرأة إذن أن تؤدي دورها الرسالي في العائلة بشكل كامل، ويجب أن لا تكون أعمالها الأخرى على حساب دورها هذا.

وعندما يدعوها للاهتمام بعائلتها وتربية ولدها تربية صالحه فهذا يعني بالتأكيد تربيته تربية إسلامية صحيحة "ربين أطفالكن في أحضانكن تربية إسلامية..."18.

فالتربية الإسلامية الصحيحة هي التي تمثل القيم الإنسانية العليا: "المرأة هي الموجود الوحيد الذي يمكنه إتحاف المجتمع بأفراد يندفع المجتمع بل المجتمعات ببركة وجودهم نحو الاستقامة والقيم الإنسانية العليا". 

ومن خلالها تحقق سعادة المجتمع الدنيوي والأخروية: "إن حضن المرأة مهد جميع السعادات وينبغي للمرأة أن تكون مهد السعادات"19. 

قصة:

الإمام قدس سره مع أم شهيد 

في آخر يوم، وقبل نقل الإمام إلى المستشفى، كان للإمام لقاء مع عامة الشعب كالمعتاد، وكان بين الحاضرين أم لشهيد لبناني استشهد في عملية استشهادية كانت قاصمة للعدو الإسرائيلي؛ قتل فيها المئات من جنوده، عندما تُقدم هذه المرأة إلى الإمام أخبرته أن هذه أم الشهيد الفلاني، انفرج وجه الإمام والتفت إليها بشكل خاص، واخذ بالدعاء لها بشكل ملفت!20.

الرجال قوامون على النساء 

إن دور المرأة في العائلة مقدم على أدوارها الأخرى ـ كما ذكرنا سابقاً ـ وأي دور تقوم به المرأة خارج البيت ينبغي أن لا يؤثر على دورها الرسالي التربوي في البيت.

وقد اعتمد الإسلام منذ البداية مبدأ "إذا كنتم ثلاثة فأمروا فعليكم واحداً منكم" فالإسلام هو دين النظام الذي رفض الفوضى بشكل عام.

وهذا المجتمع الصغير (الأسرة). قد نظمه الله تعالى وجعل قيادته بيد الزوج. فهو القيّم على الأسرة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾. وقد فرض الإسلام على المرأة أن تتعاطى مع الزوج كقيم ومسؤول عن العائلة ومدبر لأمورها، وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "جهاد المرأة حسن التبعل"21. 

بل أننا نجد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد على هذا النظام وضرورة أتباع الزوجة للزوج حتى ورد في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام: "أن قوماً أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا رأينا أناساً يسجد بعضهم لبعض فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمر المرأة أن تسجد لزوجها"22. 

ومن الجهة العملية نجد بعض الروايات تؤكد أيضاً هذه القيمومة للرجل على المرأة إلى درجة أنها لا يمكنها أن تخرج من بيتها بدون إذنه. ففي الرواية أن امرأة سألت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله! ما حق الزوج على زوجته؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أن لا تتصدق من بيته إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا تصوم يوماً تطوعاً إلا بإذنه، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرضي"، قالت: فمن أعظم الناس حقاً على الرجل، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "والده؟"، قالت: فمن أعظم الناس حقاً على المرأة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "زوجها"23.

لذلك نجد الإمام الخميني قدس سره يؤكد على المرأة طاعة زوجها بل يحرم عليها الخروج من البيت بدون إذنه حيث يقول: "المرأة مستقلة في التقليد ولكن في الشؤون الزوجية ينبغي لها طاعة الزوج، ولا تستطيع أن تخرج من البيت بدون إذنه"24.

وكذلك في تحرير الوسيلة: "لا يجوز لها الخروج بدون إذن زوجها إلا لضرورة أو أداء واجب مضيق"25.

 

الهوامش

9- من حديث في جمع من نساء قم بتاريخ 6/3/1979.

10- الكلمات القصار، ص279.

11- جلوهاي رحماني. ص47.

12- كنز العمال. حديث 45439.

13- من حديث في جمع من نساء مدينة أهواز بتاريخ 2/7/1979.

14- من حديث حول در الأمهات بتاريخ 13/5/1979.

15- من حديث حول در الأمهات بتاريخ 13/5/1979.

16- من حديث حول در الأمهات بتاريخ 13/5/1979.

17- من حديث في جمع من نساء مدينة أهواز بتاريخ 2/7/1979.

18- من حديث في جمع من نساء دزفول بتاريخ 11/6/1979.

19- من كلمة بمناسبة يوم المرأة بتاريخ 6/5/1979.

20- در سايه آفتاب، ص233.

21- نهج البلاغة باب الحكم حديث 136.

22- الكافي. جزء 5. ص508.

23- دعائم الإسلام جزء 2. ص216.

24- استفتاءات جزء 1. ص13.

25- تحرير الوسيلة جزء 2، ص347.


شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: